- أخبار
- ثقافة
- 2025/03/23 14:57
من "جوقار" إلى "رقّوج" ... عالم ساحر خارج حدود المألوف

نقد للواقع عبر فانتازيا الفن والكوميديا السوداء :
من خلال نص ساخر، وفانتازيا تخلو من المباشرتية ، بدت "رقوج" إطارا زمانيًّا ومكانيًّا مختلفا وأنت تتابعها تعتقد أنها لا تشبه الواقع بأضوائها و أجوائها وأزيائها وألوانها ، لكنك تجدها تعكسه بلغة لا يتقنها إلا "الرقوجيون" على بساطتها تحمل في ثناياها النقد اللاذع بأسلوب ساخر ومميز جعل المشاهد في واجهة كل المشاعر المتداخلة.
وإختزلت جمهورية "رقوج" التي إبتدعها المخرج صورة المجتمع التونسي وعكسته في مرآة رمزية للعلاقات الإجتماعية والإقتصادية وحتى الإدارية ، حيث يتصارع الخير والشر، الصلاح والفساد، الحب والحقد الفرح والتوتر، التكاتف والضياع، القوة والضعف، وغيرها من المفارقات.
والشخصيات في المسلسل كما هو الحال في المجتمع التونسي، مليئة بالتعقيد والتناقضات ف"الديناري" مثلًا، هو تجسيد للبيروقراطية المميتة ورمز للموظف المتقاعس الذي يسعى وراء المال بطرق مشروعة وغير مشروعة ، والورل وناس الداموس وكثيرون غيرهم شكلوا صورة الفاسد الذي يسعى وراء مصلحته الذاتية .
ومثلت شخصية " مبروك " البركة فيما صنعت ثنائيات "يوسف ومحبوبة " شامة وبيدر" نسيمة والناصر وغيرهم قصص حب يهرب لها الجميع كلما زادت حدّة العنف وكثرت المشاكل .
الموسيقى سيناريو موازي :
نجح المسلسل في صناعة صوت مختلف صهره "حمزة بوشناق" من البلقان إلى أمريكا اللاتينية مرورًا بتونس ليستجيب إلى الواقعية السحرية التي أثّثت عالم رقّوج ويمنحه طابعه الغجري المتونس وبدت التأثيرات الموسيقية المتنوعة كأطياف صوتية ترافق الشخصيات وظلالها وتُلوّن ملامحها في مزاجٍ مضطرب من الإحتفال والبهجة إلى الحزن والقلق اليومي .
ولم يكتف حمزة بوشناق بصياغة الموسيقى ، بل أضفى على كل شخصية في المسلسل لحناً خاصاً بها، يعبر عن مكنوناتها، عن أحلامها وآلامها، وعن صراعاتها الداخلية. لتصبح الموسيقى جزءًا من ذاكرة المشاهدين فكلما سمعنا لحنًا من ألحان رقوج، نتذكر شخصيات المسلسل، نستعيد ذكرياتنا، وننغمس في عالمه الساحر.
الديكور جزء من القصة :
لايقتصر الديكور في "رقوج" على كونه مجرد خلفيات، بل هو جزء من القصة فالزخارف، الألوان، والبنايات القديمة تأخذنا إلى عالم موازٍي وحتى الملابس ليست مجرد أزياء عادية، بل هي تمثيل حي للشخصيات ولهويتهم.
وإنطلق "رقوج" من "المرمة " ليصل إلى الكنز الذي إتضح في النهاية أنه "الماء" و أبناء رقوج على اختلافاتهم وبعد صراعاتهم اتحدوا أمام ناس "الداموس" لحماية رقوج وثروتها الطبيعية وأحبّتهم بطريقة ملحمية تراجيدية ومشهد تاريخي عصري على نفس الرقعة وفي نفس الزمن.. انعكست فيه الحياة بكل تناقضاتها: عطش الوجود لا يرتوي إلا بالماء، والنصر لا يزهر إلا في تربة الوحدة. لم يكن الكنز حفنة من المعدن النفيس، بل كان سرّ البقاء، موردًا يفصل بين الحياة والفناء، وعندما قرع الخطر أبواب الرقّوجيين، تساقطت الأقنعة، وذاب الملح في الماء، فتوحدت السواعد دفاعًا عن الأرض، كأن الأسطورة لم تكن إلا مرآة للواقع.